التمجيد والترميز بقلم الدكتور باب سيدي أحمد لعل
#تبصير: في السوسيولوجيا وبالنظر إلى طبيعة المجتمع الموريتاني وآليّات التنافس فيه، وحضور الرمز بشكل قوي في كل الصراعات الاجتماعية والسياسية، لا أجد ما هو ألذّ من تفكيك الظاهرة التي أصّل لها العالم الألماني/الأمريكي #فرانز_بواز والتي أسماها #البوتلاتش وهي تعبر عن حالة من التنافس السياسي، تقوم على هدر الأموال مقابل تعزيز المكانة الاجتماعية في المجتمع، فالذي يحرق أكثر يكسب اجتماعيا أكثر، وتدور اللعبة في مجملها حول عملية تنافسية بحتة تتمثل في:
– العطاء
– قبول العطاء
– والرد
الأولى تحتم الثانية، بينما يكون مقياس الرد هو الموزون اجتماعيا، فإن رد النّد بمثل العطية كان منافسا شريفا وذا مكانة اجتماعية عزيزة، وإن عجز هان وانحدرت مكانته.
إن جدلية التنافس في تلك الحفلات وما تستحضر من رموز لا يمكن أن نظر إلى واقعنا الاجتماعي بما يسخر به كذلك من رموز بحياد عن ذلك، فأهل الحفلة يدخلون ميدان التنافس من أجل كسب مكانة اجتماعية معينة، والتذكير برمزية تلك المكانة على المستوى الأسري والقبلي، فتُمجد القبيلة في حفلة عرس لشخص من أفرادها، ويستحضر الحاضرون قيّم البذل والعطاء مقابل التمحيد والاعتراف بأحقيتهم بالمكانة الاجتماعية التي يستحضرون رمزيا.
بل إن نشاط التناقس وإن كان مقتصرا في مجتمعات الهنود على الحفلات التنافسية، فإن الحياة السياسية في موريتانيا أصبحت تزخر به بشكل كبير، مما جعل مسألة التمجيد تتسلل إلى الحياة السياسية وتحتركها بهذا النحو، فالسياسي في موريتانيا أيضا بين مسألتين:
– إما أنه شخص يحس بتميز انتمائي عن الآخرين وبالتالي استحضاره في الواقع اليوم يخدم مسيرته بل ويعزز مكانته في تموضعات الواقع اليوم وتعقداته.
– أو هو نقيض ذلك فيصنع من الرفض والدونية رمزية مقاومة للواقع من أجل التموضع في العالم الاجتماعي من حديد، ولذلك نسقٌ أيضا من التمجيد بات يفرض واقعه في العالم الاجتماعي اليوم.
وفوق ذلك فإن جدلية تبادل الأدوار الاجتماعية بين الفئات تلقائيا دون تدخل مُعقلن من الدولة، أمرٌ وإن كان فيه الإصلاح فإنه ينعكس سلبا على إحدى الأطراف، فتنظيم المجتمع يحتاج تعقُلا بحجم تناقضه وإلحاح التغير فيه.
باب ولد سيد أحمد لعل
باحث في علم الاجتماع