الخطاب الرسمي والمغالطات المكررة المكشوفة

الخطاب الرسمي والمغالطات المكررة المكشوفة
————-
في مشهد لم يعد جديدًا على متابعي الشأن التربوي في البلاد، أطلقت وزيرة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي اليوم، خلال الجلسة البرلمانية، تصريحًا يحمل مغالطة صريحة حين قالت إن الخريجين من المدرسين يتقاضون أكثر من 200 ألف أوقية قديمة شهريًا، وكأنها تتحدث عن بلد آخر، أو ربما عن فئة لا تنتمي إلى ذات الحقل.
لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، ولا يبددها أي خطاب مغلّف، تقول غير ذلك.
فمثلا؛ أنا أستاذ سلك ثاني، من المفترض أن أكون من بين الفئات “المحظوظة” في المنظومة التعليمية من حيث الوضع المادي، لكن راتبي الشهري لا يتجاوز 136 ألف أوقية قديمة. أما ما تبقى من المبلغ الذي روجت له الوزيرة، فهو عبارة عن:
– علاوة الطبشور: 135 ألف أوقية عن ثلاثة أشهر (أي 45 ألف فقط شهريًا)، وغالبًا لا تُصرف في وقتها.
– علاوة البعد: وهي غير موحدة؛ وتختلف حسب المنطقة الجغرافية (وفي حالتي 93 ألف أوقية عن ثلاثة أشهر)، وهي كسابقتها.
– علاوة التأطير: 30 ألف أوقية عن ثلاثة أشهر (بمعدل 10 آلاف شهريًا). ولا تختلف عنهما من حيث موعد الصرف
وحتى عند جمع هذه العلاوات – رغم أنها لا تُصرف بانتظام – فإن المجموع لا يصل إلى 200 ألف إلا نظريًا. والأسوأ من ذلك، أن هذه العلاوات لا تدخل في التقاعد، ولا تشكل أساسًا مستقرًا في حياة المدرس اليومية.
إن تصريحات الوزيرة لم تكن صادمة فقط من حيث المغالطة، بل من حيث انفصالها التام عن الواقع. فهل تعلم معالي الوزيرة أو مستشاروها ما يعانيه المدرس في الداخل؟
1. مدارس من دون مراوح، ناهيك عن المكيفات.
2. غرف تدريس من صفيح، في مناطق تصل فيها درجات الحرارة فيها أكثر من 48 درجة.
3. ظروف سكن غير آدمية، ولا تصلح للاستقرار.
في حين يجلس أصحاب القرار في مكاتبهم المكيفة، يصوغون خطابات براقة عن “إصلاح التعليم” ويتحدثون عن تحسين أوضاع المدرسين، دون أن يُكلّفوا أنفسهم حتى زيارة مدرسة عمومية في قلب مقاطعة ناهيك عن مدرسة نائية.
إن تزييف الأرقام وتضليل الرأي العام لا يصب في خدمة أي مشروع إصلاحي. بل هو محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون. كيف يمكن إصلاح التعليم، والركيزة الأولى فيه – أي المدرس – مهمّشة ماديًا ومعنويًا؟ كيف نطلب من المدرس أن يكون قدوة ومربيًا وصاحب رسالة، في حين لا يجد ما يسد به رمق أسرته؟
إن ما يحدث اليوم هو تعتيم ممنهج على حقيقة الوضع التربوي في البلاد، وتجاهل مقصود لصرخات المدرسين الذين يُطلب منهم أن يتحملوا كل شيء، ثم يُتهمون بالتقصير.
إذا كانت الحكومة جادة في إصلاح التعليم، فإن عليها أن تبدأ من الميدان، من المدرس الذي يقف يوميًا في مواجهة مئات التلاميذ، لا من المكاتب المكيفة والتقارير والنسب المئوية المنفوخة.
وعلى الحكومة -إذا ما أرادت إصلاحا أن:
1. تعيد النظر في الرواتب القاعدية للمدرسين.
2. تدمج العلاوات في الراتب الشهري ليكون مستقرًا.
3. تضمن انتظام صرف المستحقات دون تأخير.
4. توفر بنية تحتية تحترم كرامة المدرس والمتعلم.
5. وأخيرا؛ تنهي خطاب التجميل والتضليل الذي لا يخدم أي طرف.
بقلم د / المصطفى أسقير مسعود